'أكيد تحبني!'
اعتادت معلمة اللغة الإنجليزية الأربعينية ماريا أن تتعامل مع طلابها كأبنائها. تأكل معهم، وتقرأ معهم، وتصفق لهم، وتضحك معهم.
كانت تفعل كل ذلك معنا و أكثر. لكن كان زميلنا خالد القادم طازجا من المملكة يصر على أنها تكنّ له مشاعر خاصة. كان يعتقد أنها وجدت فيه ضالتها المنشودة. فهو يزعم أنه يقرأ العيون، وعينيها تمتلئ ولعا وإعجابا به وبلونه وبخصاله البدوية.
لا أنسى عندما جاء خالد إلى شقتي دافعا صدره إلى الأمام، وبيده بطاقة بريدية تعج بالورود تلقاها من ماريا، حيث كانت تقضي إجازتها في إسبانيا. وكتبت فيها 'تمنيت أن تكون معنا. الرحلة ممتعة، والأجواء خلابة...'. وقبل أن يدعني أكمل الرسالة قال لي ووجهه يكتظ بابتسامة واسعة: 'ألم أقل لك إنها تحبني؟'. حينها أخرجت من حقيبتي بطاقة بريدية باسمي تلقيتها من السيدة ماريا والتي أرسلت مثلها لكل طلابها، مما بدد أحلامه وأوهامه.
تذكرت قصة خالد وأنا أجلس أمام مكتب الاستقبال في أحد المستشفيات الخاصة عندما قطع حبل أفكاري أحدهم، وسألني بصوت خفيض من دون مقدمات أو سابق معرفة:'هل موظفة الاستقبال تطالعني؟'. أجبته مازحا: 'بكل تأكيد'. ولم أكن أعلم مطلقا أن جملة قصيرة ستهز هذا الشاب. فمنذ أن أجبته وهو يركض في أروقة المستشفى دون هدف كعداء خائب، يتحرك بقلق، ويهطل عرقا. ولم يذب ويختف إلا عندما اندلعت الموظفة صراخا في وجهه بعد أن عرض عليها رقم هاتفه الجوال، قائلة: 'أنت جئت هنا لتغازل أم تتعالج'.
في نفس المستشفى شاهدت كيف توتر سعودي وهو يشرح حالته لممرضة مواطنة، كانت يتكلم معها وهو يدير ظهره لها، كان يتأتئ، كأنه طفل يتكلم لأول مرة. لم تدعه الممرضة يواصل استنجدت بممرض فلبيني لينقذهما!
أيضا، مازلت أذكر جيدا ارتباكي أمام أول زميلة سعودية أعمل معها عندما عدت للمملكة. فلم أعلم كيف أتحدث معها. هل ابتسم وأنا أتحدث معها لأبدو طبيعيا أم أتجهم لأظهر غليظا ؟ لا أعلم كيف سار اللقاء ولكن أدرك أنه يصلح ليكون مشهدا كوميديا.
علاقة ملتبسة بين الرجل السعودي والمرأة تبرز خلال أي لقاء أو عمل يجمعهما واقعي أو افتراضي.
لم يعد بإمكان أي منا التحكم في تمدد تواصل الرجل والمرأة وعملهما معا. فهذه العلاقة تأخذ منحى تصاعدياً شئنا أم أبينا. وليس بوسعنا إزاء ذلك سوى تطوير وتهذيب هذه العلاقة والعمل على تأسيس مستقبل صحي لها يكفل حفظ كرامة الطرفين.
فاستمرار هذه العلاقة على هذا النحو المشوش سيدعو الكثير من الأسر للتمسك برأيها حيال عدم السماح لبناتهم بالعمل في أماكن يتداخلن فيها مع رجال.
فالكثير من شبابنا لا يفتؤون يرددون في الداخل على مسامعنا ما ردده خالد في أمريكا كـ'ألم أقل لك أنها تحبني؟' أو 'أكيد تحبني' عندما تبتسم أمامهم زميلة، أو ممرضة، أو مندوبة مبيعات، أو حتى عاملة منزلية.
كما لا يتوانى الكثير من الشباب على التعليق مع بعضهم البعض على هيئات زميلاتهم في العمل إيجابا وسلبا، مما يدفع المعلقين والمستمعين على حد سواء، للتفكير غير مرة قبل الموافقة على التحاق شقيقاتهم و بناتهم بوظيفة قد يمر بمحاذاتها رجل يؤذي إحداهن بكلمات من أمامها أو من خلفها.
هذا العزوف الجماعي ساهم في ترهل البطالة، وشيوع الإحباط، وغياب المرأة عن أمكنة جديرة بها
علينا أن نزرع في رأس كل يافع أن المرأة التي تقوم بتطبيبه، بتمريضه،
بتدريسه، بالعمل معه 'أكيد ما تحبه' لكنها تحترمه، ومن المفترض أن يقابل
هذا الاحترام باحترام يدفع مجتمعنا إلى الأمام
*كاتب سعودي